من النزوح إلى الجوع.. لماذا تتجه أفغانستان إلى أزمة إنسانية كبرى؟

من النزوح إلى الجوع.. لماذا تتجه أفغانستان إلى أزمة إنسانية كبرى؟
الفقر في أفغانستان

حذر البنك الدولي مؤخراً من اتساع رقعة الفقر المدقع في أفغانستان وارتفاع عدد المحتاجين إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ سنوات، مشيراً إلى أن تراكم الصدمات من عودة المهاجرين قسراً وانخفاض المساعدات الخارجية إلى كوارث طبيعية مميتة دفع ملايين الأفغان إلى ما دون خط الفقر الجديد المحدد بـ3 دولارات يومياً. 

جذور الأزمة: عودة ملايين النازحين وقطع التمويل

تتقاطع أزمات داخلية وإقليمية على نحو يزيد هشاشة أفغانستان، فمنذ سبتمبر 2023 عاد أو رُحِّل أكثر من أربعة ملايين أفغاني من إيران وباكستان، وتواصل موجات العودة بقوة خلال 2025، ما يضغط على سوق العمل، ويزيد الطلب على السكن والخدمات الصحية والتعليمية ويضرب شبكات الحماية الاجتماعية الهشة وفق منظمة الهجرة الدولية.

في المقابل تراجعت تدفقات المساعدات الإنسانية وقلّ تمويل بعض الجهات المانحة، ما أدى إلى تقليص عمليات الإغاثة الأساسية، ولا سيما المواد الغذائية والدعم التغذوي. انخفاض تمويل الطوارئ انعكس بسرعة على معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، بحسب منظمات الإغاثة وفق أسوشيتدبرس.

تعرضت أجزاء من شرق أفغانستان لزلزال عنيف في أواخر صيف 2025 دمّر آلاف المساكن وأوقع آلاف القتلى والنازحين، في حين تعاني مناطق أخرى جفافاً متشدداً، وتضاعف تأثير الكوارث الطبيعية مع موجات العودة لتجعل قدرة المجتمعات المحلية على الصمود ضعيفة جداً وقدرات الاستجابة المحلية والمنظمات الإنسانية غير كافية.

أرقام وحجم الأزمة الإنسانية

توقّع تقرير البنك الدولي أن عدد الأفغان الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي الجديد يتراوح على نحو متقلب بين عشرات الملايين، وقد رجّحت تقديرات إعلامية وتحليلات البنك أن يتراوح العدد بين نحو 15 و24 مليون شخص يعيشون على نحو يقل عن ثلاثة دولارات يومياً، أي نسبة كبيرة من سكان البلاد، وبالتزامن تقول وكالات الإغاثة إن نحو 10 ملايين شخص يواجهون انعداماً حاداً للأمن الغذائي، في حين يتوقع أن يكون 3.5 مليون طفل دون الخامسة عرضة لسوء تغذية حاد وفق وكالة "خاما برس".

التزايد السريع في عدد السكان العائدين مقابل نمو اقتصادي بطيء يخلق هامش بطالة واسعاً، ويهدد استقرار الأسر خاصة في المناطق الحضرية حيث ترتفع الإيجارات وتتناقص الوظائف، ويضغط نقص فرص العمل على الأطفال والنساء لتأمين دخل، ما يفتح الباب لاستغلال الأطفال وزيادة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر، كما أن فشل دمج العائدين بشكل منظم قد يؤدي إلى تفاقم النزوح الداخلي وصعود شبكات الفقر المتعمق. 

ردود فعل المنظمات الحقوقية والإنسانية

أصدرت مفوضية الأمم المتحدة وشركاؤها مطالبات عاجلة بتمويل طارئ وبرامج إعادة إدماج، في حين وصفت مفوضيات حقوق الإنسان والهيئات المستقلة عمليات الطرد الجماعي من دول الجوار بأنها تثير مخاطر انتهاك حقوق اللاجئين ومبدأ عدم الإعادة القسرية، ودعت منظمات مثل الأمم المتحدة للمفوضية السامية للاجئين والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان أمثال هيومن رايتس وعمليات العفو إلى وقف الترحيل القسري وتوسيع وصول المساعدات إلى أفغانستان دون قيود. 

القانون الدولي والمنظور الحقوقي

يذكر القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق اللاجئين مبدأ عدم الإعادة القسرية وغير القابلية للتعذيب والالتزامات بحماية اللاجئين والمشردين، وهو ما يجعل أي طرد جماعي أو إجبار على العودة دون ضمانات حماية ومراجعة فردية مسألة قانونية وإنسانية خطيرة، وحثت المنظمات الحقوقية  الدول المستضيفة والمجتمع الدولي على العمل مع وكالات الأمم المتحدة لضمان حلول ترتكز على حماية الحقوق. 

ماذا يوصي البنك الدولي والجهات الإنسانية؟

يدعو البنك الدولي والمنظمات الإنسانية إلى حزمة خطوات متزامنة منها: ضخ تمويل طارئ للاستجابة الإنسانية المباشرة، توسيع برامج الحماية الاجتماعية المؤقتة، ودعم مشاريع التوظيف المحلي والبنى التحتية الصغيرة، وتمويل إعادة الإعمار بعد الكوارث، بالإضافة إلى برامج خاصة لحماية الأطفال والنساء والعائدين، كما يوصي التقرير بتنسيق إقليمي لمعالجة أسباب الهجرة وتفادي سياسات الترحيل القسري التي تفاقم الأزمة. 

أفغانستان اليوم تختبر التقاء صدمات متعدّدة تتجسد في عودة طوعية وقسرية بأعداد هائلة، تقلّص الدعم الدولي، وكوارث مناخية وطبيعية وهو ما ينسف المكتسبات الاجتماعية ويهدد استقرار أجيال، ويضع ذلك المجتمع الدولي أمام خيار صريح؛ إما تمويل واسع ومركّب الآن، أو مخاطر تفكك اجتماعي وانتشار فقر أعمق وندوب إنسانية طويلة الأمد. وتقول المنظمات الأممية والحقوقية إن الوقت ضيق والنتائج تعتمد على سرعة وحجم الاستجابة الدولية والالتزام بحماية حقوق العائدين والضعفاء. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية